لم يأت هكذا..الفاتح ماي تاريخ ونضالات وتضحيات جسام

  لم لو يكن للفاتح من ماي إلا تلك الإضرابات والمسيرات العمالية المحلة على مطالب العمال في تحديد ساعات العمل في اليوم وفي تثبيت الحقوق الاجتماعية لهم ولعائلاتهم لكفاهم وكفاه ذلك،ولكنه رسخ وكرس أكثر من حق لهؤلاء العمال والطبقة الشغيلة في كل أرجاء العلم،وإن كان قد حل على الفئة العمالية في الجزائر وهي مضطهدة أقل ما يقال عنها أنها وطنه محتلا من قبل شذاذ الآفاق المستعمر الفرنسي البغيض وأعوانه من الداخل والخارج الوطن الجزائر التي يعاني شعبها الأمرين ذل الفقر وقهر الاحتلال ورب العمل.

              وقد كانت بداية انفراج الأزمة للعمال مع بداية الثورة الصناعية في بريطانيا،التي حوّل الإنتاج الصناعي في المصانع الكبيرة حياة الشغيلة إلى جحيم،حيث كان يوم العمل يتراوح بين 10-16 ساعة، وأسبوع العمل يصل إلى 6 أيام في الأسبوع، وكان استخدام الأطفال شائعا،دون أي اعتبارات للأمن الصناعي أو الصحي أو انتشار الآفات والأوبئة بين العمال خاصة الأطفال منهم،الذين أدى ذلك إلى ظهور حركة “8 ساعات يوميا”، إحدى الحركات الاجتماعية التي تهدف لتنظيم يوم العمل ومنع التجاوزات والانتهاكات التي مست في كثير من الأحيان حياة وكرامة العمال أنفسهم،دون أن يكون في مقدورهم بصفة مباشرة تحريك ساكن.

             كان أول من طالب بتقنين العمل وتقليص ساعاته،أحد مؤسسي “الاشتراكية الطوباوية”،روبرت أوين (1771-1858)، حيث صاغ شعار: “8 ساعات عمل، 8 ساعات راحة، 8 ساعات ترفيه”، ومنحت النساء والأطفال في انجلترا ميزة 10 ساعات يوميا عام 1847.

                 أما في فرنسا فقد حصل العمال الفرنسيون على 12 ساعة يوميا بعد الكثير من التضحيات والنضال ،وُإثر ثورة فيفري عام 1848،فحصل الكثير على بعض مطالبهم الاجتماعية التي كان ينضالونمن أجلها لسنوات.

                  لم يأت الفاتح من ماي هكذا للعمال على طبق من ذهب،بل بعد نضال مرير ومطالب ملحدة من العمال عبر فترات،فقد أصبح هذا اليوم بمرور الزمن رمزا لنضال الطبقة العاملة من أجل حقوقها، حيث يعود عيد العمال فى أصله لعام 1869،إذ شكل عمال قطاع الملابس فى فيلادلفيا الأمريكية،ومعهم بعض عمال الأحذية والأثاث وعمال المناجم، منظمة “فرسان العمل”، كتنظيم نقابى يكافح من أجل تحسين الأجور وتخفيض ساعات العمل،واتخذ التنظيم من 1 مايو يوما لتجديد المطالبة بحقوق العمال.

              وقد جاء أول مايو من عام 1886 ليشهد أكبر عدد من الإضرابات العمالية فى يوم واحد فى تاريخ أمريكا،إذ وصل عدد الإضرابات فى هذا اليوم إلى نحو 5000 إضراب للمطالبة بألا تزيد ساعات العمل عن 8 ساعات،وقد كان لهؤلاء العمال الأوائل الذين بسطوا بدمعهم وعرقهم طريق افتكاك  حقوق مشروعة لكل العمال،أصبحت بعد ذلك قانونية لكل الطبقة الشغيلة في العالم.

          عرف خلال هذه الحقبة الاستعمارية العامل الجزائري،أبشع استغلال حيث تزامنت مع الاحتلال الفرنسي للجزائر،أين كان المعمر هو السيد والذي استولى على خيرات البلاد ،فيشغله طوال اليوم وجزء من النهار،وخاصة الذي يعمل في المزارع والمناجم،مقابل أجر زهيد لا يكفي حتى لسد رمق من الجوع أو العطش..؟

            لكن أمام هذا الاضطهاد والتنكيل والترويع الذي كانت تمارسه الإدارة الفرنسية تجاه الغالبية الكبرى من الشعب الجزائر وخاصة العمال منهم،برزت الثورة التحريرية وكان رجالها من الطبقة العمالية المؤمنة باستقلال البلاد.

              ومن هنا برز البطل “عيسات إدير“ ورفاقه الأبرار،حيث كان لهم موعدا مع القدر،والذي أعدهم ليكونوا في مقدمة الرعيل الأول من العمال المدافعين عن الوطن والمواطن،وقد تحقق لهم ذلك عبر ثورة مباركة أعادتللجزائر بعد تضحيات جسام استقلالها،كما أعادت للعمال الكثير مما فقدوا من حقوق وكرامة وتقدير واحترام،إنها الجزائر الجديدة وفق رؤية جديدة متجددة.

             اليوم والحمد لله،وفي ظل قيادة وطنية للبلاد،نالت الطبقة العمالية العديد من حقوقها المشروعية التي أقرها دستور 2020،وفوق كل ذلك تعهدات رئيس الجمهورية الـ 54 والتي من بينها الحق في العمل والعيش بكرامة والمطالبة بما يراه العامل ومن يمثله من نقابيين وفق حقوق مشروعة ضمن القانون النقابي الجديد الذي يضمن للبلاد أمنها واستقرارها بعيدا عن كل مزايدات.