في أربعينية المجاهد الباحث عبد الحميد زردوم ذاكرة بسكرة التاريخية وكاتبها الوفي

2٬527

  الكلمة التأبينية التي ألقيت من طرف الأستاذ الأخضر رحموني بمقبرة العزيلات ببسكرة بعد عصر يوم الثلاثاء 24 جانفي 2023  أمام قبر الأستاذ الباحث عبد الحميد زردوم .

بسم الله الرحمان الرحيم 

و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

إنا لله و إنا إليه راجعون. 

  (كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة ،فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز، و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.)

أيها المشيعون ،أيها المعزون ،جزاكم الله كل الجزاء على  حضوركم هذا المشهد المتنوع الذي نودع فيه أحد أبناء بسكرة البررة و هو يغادرنا من الدار الفانية ليلتحق بالدار الخالدة .و بفقده تكون بسكرة خسرت ركنا من أركانها المتينة، و رجلا من رجالاتها العاملين بصدق و نزاهة من أجل ترقيتها و حتى يبقى اسمها مشعا في الآفاق. و هو الذي أحب بسكرة حبا لا يوصف ،كان نزيها و محترما لمواقفه التي لم تزعزعها العواصف.

إننا نقف الآن وقفة خشوع و إجلال أمام قبر الأستاذ الباحث عبد الحميد زردوم الذي وري الثرى اللحظة ،و قد دخل جثمانه الطاهر المقبرة و هو مسجى بالعلم الوطني اعترافا بمكانته الوطنية، فحق له أن يرحل شامخا بإخلاص مشهود و تفاني معهود.

يكفيه فخرا أنه غادرنا جسدا ، و لكن اسمه و أفكاره بقيت منقوشة على صفحات الكتب التي قام  بتأليفها للتعريف بإسهامات بسكرة و تاريخها المجيد و تراثها المتنوع .بل أن اسمه بقي يتردد على ألسنة الباحثين ،و مدون في الرسائل الجامعية و الأبحاث و الكتب التي تناولت تاريخ بسكرة ،لأنه يعتبر من الأوائل الذين بادروا في إحياء أمجادها و شخصياتها.

و أمام هذا المصاب الجلل ، لا بد من التوقف عند أهم المحطات البارزة  في مسيرة فقيدنا الأستاذ عبد الحميد زردوم فلعلنا نعيد إليه بعض سجاياه و مكارمه علينا.

المجاهد و الباحث عبد الحميد زردوم بن الطاهر بن سالم و قميرة دالي علي بنت أحمد من مواليد سنة 1929 بحي المسيد ببسكرة.

ينحدر أصله من أسرة الحاج محمد بن أبي القاسم زردوم الذي تولى منصب الإفتاء بمدينة بسكرة في العهد العثماني إلى غاية سنة 1844.

بعد حفظه لجزء من القرآن الكريم بكتاب الحي على يد الشيخ الطاهر ومان ،التحق بالمدرسة الفرنسية ( إكمالية الشهيد يوسف العمودي حاليا ) سنة 1935 ليتحصل منها على الشهادة الابتدائية .

واصل تعليمه بإحدى المدارس الحرة التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1944 ،و تلقى دروسا ليلية على يد الشيخ بلقاسم ميموني الغسيري و الشيخ عمر شكيري .

بعدها عمل إداريا ببلدية بسكرة بدءا من سنة 1946 إلى غاية 01 ماي 1959.

خلال هذه المرحلة الزاهية في حياة الجزائر، انضم إلى الكشافة الإسلامية الجزائرية بقيادة ميلود جغابة ،و أصبح أحد المناضلين في حركة البيان و الحرية مناصرا للحكيم سعدان .

ثم تحول إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية ،و تعرف خلال مسيرته النضالية على الشخصيات العلمية و الوطنية ببسكرة من أمثال :الحكيم سعدان و العقبي بلاغة و غريب مكي و العربي بن مهيدي و عبد الرحمان بركات و محمد عصامي و الطيب خراز و علي مغربي و غيرهم .

و كان لفقيدنا عبد الحميد زردوم شرف المشاركة في مظاهرة 08 ماي 1945 التي جابت شوارع مدينة بسكرة ،و رفع فيها العلم الوطني عاليا لأول مرة من طرف المجاهد أحمد زيد .

ثم انضم إلى المنظمة السرية التابعة لحزب الشعب التي كان يترأسها محليا المرحوم غريب أحمد بدة ،و أصبح مسؤولا على فوج يضم السادة :محمد عمراوي  و عبد المجيد أونيس  و الأمين حدانة  و بشير قدري  إلى غاية تاريخ الانشقاق السياسي الأول الذي حدث سنة 1949، فاختار العمل كمناضل بدون مسؤولية إلى غاية سنة 1953 ،حيث انحاز إلى صف المركزيين بقيادة حسين لحول و ابن يوسف بن خدة .

بعد اندلاع الثورة التحريرية في فاتح نوفمبر 1954 ألقي عليه القبض من طرف السلطات الفرنسية يوم 06 نوفمبر 1954 باعتباره قائدا محليا و مسؤول فوج الرجاء  للكشافة الإسلامية ببسكرة .

بعد الإفراج عنه، انضم إلى جبهة التحرير الوطني ،و كلفته قيادتها بنشر الوعي السياسي و الثوري بين فئات المجتمع البسكري .

و لنشاطه الدؤوب في مجال الاتصال و التكوين ألقي عليه القبض من جديد سنة 1956، و مكث بمعتقل الجرف بتبسة مدة 06 أشهر ،و بعد تدهور حالته الصحية تم الإفراج عنه.

إلا أنه واصل مسيرته النضالية و نشاطه السياسي بمنطقة بسكرة، فألقي عليه القبض في مارس 1958، و بقي شهرا في الاستنطاق بمركز السجن العسكري بجنان لوندو ببسكرة .

في سنة 1960 انتقل إلى الجزائر العاصمة،و انضم إلى الولاية التاريخية الرابعة بالناحية الثالثة بقيادة عمار محمدي، إلى يوم الإعلان عن توقيف القتال في 19 مارس 1962.

بعد الاستقلال،عين محافظا للشرطة بالجزائر العاصمة من 1962إلى 1963 .

ثم مفتشا بوزارة الشبيبة و الرياضة من 1964 إلى 1966 .

ثم مديرا بالشركة الوطنية لمواد البناء و شركة السكك الحديدية من 1967 الى 1974.

في سنة 1974 أنتخب رئيسا للمجلس الشعبي البلدي لبلدية بسكرة، غير أنه لم يلبث أن استقال منه في سنة 1975.

و تفرغ للبحث و التأليف في مجال تاريخ مدينة بسكرة و رموزها العلمية و الثقافية و السياسية،و هو الذي أنفق في حبها زهرة شبابه ،كما كان ينشر مقالات سياسية و تاريخية في مجلة ( الثورة الإفريقية ) و في جريدتي ( الأصيل ) و ( آفاق )  الصادرة  باللغة الفرنسية .

ألف الأستاذ عبد الحميد زردوم باللغة الفرنسية سلسلة من الكتب هي: 

– تاريخ بسكرة القديمة ( 1068-1660) 

– تاريخ بسكرة في عهد الأتراك (1660-1844) 

– تاريخ بسكرة الفرنسية (1844-1962) 

–  الكشافة في بسكرة (1930-1962) 

– النشاط الفني و المسرحي( 1844- 1962). 

– الرياضة في بسكرة (1894-1962 ) 

– دروس تاريخية و جدل في بسكرة ( 1830-1962)

– مجموعة رسائل من بسكرة ( 1988-1995)

– بطاقة تعريف بسكرة. 

– بسكرة عروس الزيبان .

– البساكرة يتذكرون فرنسا .

– دروس من التاريخ و الجدل حول بسكرة. 

– الاحزاب و النقابات في بسكرة ( 1878-1962).

– بسكرة خلال الحرب العالمية الثانية. 

– بسكرة معقل الحكيم سعدان (1927-1948). 

– بسكرة مركز التكوين السياسي. 

– بسكرة شهادة عن الثورة ( 1954-1962).

بالإضافة إلى عناوين أخرى لم توزع و المخطوطة و هي :

– بسكرة في قلب مواطن أصيل 

– مجلة أخبار لبسكرة 

– بسكري في الجزائر العاصمة ( 1961-1962)

مناضل في الحزب- الدولة ( 1962-1964)

– في خدمة الشبيبة ( 1964-1968)

– في خدمة البروليتاريا ( 1968-1978).

– نهاية ( 1979- 2023) .   

تم تكريمه بتنصيبه رئيسا شرفيا لجريدة ( الزيبان نيوز ) التي أصدرها ياسين فلياشي في 12 فيفري 2006 ببسكرة، و نشر على صفحاتها مجموعة من المقالات باللغة الفرنسية . كما كرمته الجمعية الخلدونية للأبحاث و الدراسات التاريخية ببسكرة خلال ملتقى ( بسكرة عبر التاريخ ) يوم 22 ديسمبر 2014 بقاعة الأطلس . 

يغيب عنا اليوم الأستاذ عبد الحميد زردوم ،و هو الذي كان يتمنى رؤية جميع كتبه مترجمة إلى اللغة العربية ،حتى و إن بادرت الأستاذة آمال هدار و الأستاذ عثمان دلباني بترجمة بعضها ، و أن تطبع مؤلفاته الكاملة في كتاب شامل حتى تكون مرجعا هاما يعود إليه الباحثون في تاريخ بسكرة من طلبة الجامعات و المهتمين بالشأن الثقافي و المحلي .

و لا يسعنا و نحن مجتمعون حول قبره إلا أن نرفع أكف الضراعة ،سائلين المولى عز و جل أن يرحم فقيدنا برحمته الواسعة ،و أن يحشره في زمرة النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و جميع موتى المسلمين ،آمين يا رب العالمين .       

 

التعليقات مغلقة.

Headlines
الاخبار::