في غياب ثقافة ترشيد استهلاك الطاقة
فريدة حدادي
يرتفع استهلاك الغاز والكهرباء خلال فصل الشتاء، ومع انخفاض درجات الحرارة بشكل لافت في أغلب البيوت الجزائرية، حيث تصبح وسائل التدفئة وتسخين المياه من الضروريات اليومية التي لا يمكن الاستغناء عنها. هذا الارتفاع الموسمي في الاستهلاك أصبح يشكل مصدر قلق حقيقي للعديد من الأسر، خاصة عند استلام فواتير الطاقة التي تسجل أرقاما تفوق المعتاد؛ ما ينعكس سلبا على ميزانية الأسرة، ويُجبرها في كثير من الأحيان على إعادة ترتيب أولوياتها لتغطية المصاريف الأساسية، ومواصلة الشهر دون الوقوع في ضيق مالي، قد يفشل خططها.
ولا يقتصر تأثير الاستهلاك المرتفع للطاقة على الجانب المالي فقط، بل يمتد كذلك، الى طريقة تعامل الأسرة مع مواردها اليومية، فالإفراط في استعمال المدافئ، وتشغيل سخانات المياه لفترات طويلة، وترك الأجهزة الكهربائية تعمل دون حاجة فعلية، كلها ممارسات أصبحت شائعة خلال فصل الشتاء. بعض من تلك الأجهزة لا ينطفئ أبدا، بل يبقى مشتغلا حتى عند خروج كل أهل البيت خلال اليوم للعمل أو الدراسة سلوكات تتم أحيانا دون وعي بحجم الطاقة المستهلَكة، أو كلفتها الحقيقية؛ إذ يعتقد البعض خصوصا من ميسوري الحال، أنها فاتورة يتم دفعها آخر الشهر دون مشاكل أخرى مترتبة على ذلك. ومع تكرار هذه السلوكيات تتراكم المصاريف. وتتحول الفاتورة إلى عبء ثقيل، يصعب التحكم فيه ليس على الأسرة فقط، وإنما على الدولة كذلك.
وفي هذا الإطار، يؤكد كمال يويو، رئيس فرع العاصمة لدى المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، أن الارتفاع الكبير في فواتير الغاز والكهرباء يعود في معظمه، إلى غياب ثقافة الترشيد داخل المنازل رغم الحملات المتكررة، التي من شأنها غرس ثقافة الاقتصاد الاستهلاكي للطاقة. وأوضح المتحدث أن كثيرا من العائلات تستهلك الطاقة دون حساب، معتقدة أن الاستهلاك المرتفع أمر طبيعي في الشتاء، في حين يمكن التحكم فيه من خلال إجراءات بسيطة لا تمس براحة الأسرة أبدا. ومن بينها، يذكر يويو، “ضرورة عدم تشغيل التدفئة في كل الغرف، وضبطها على درجات حرارة معتدلة”، بالإضافة إلى “إطفاء الأجهزة غير المستعمَلة، وعدم ترك سخان المياه يعمل بشكل دائم، ومحاولة سحب كل الأجهزة عن التشغيل خلال الخروج من البيت أو عند السفر مثلا ولو ليوم واحد”.
وشدد المتحدث على أن فصل الشتاء، ككل سنة، يشهد ارتفاعا محسوسا في استهلاك الغاز والكهرباء داخل البيوت نتيجة الاعتماد الكبير على التدفئة، وتسخين المياه، واستعمال الأجهزة الكهربائية بشكل مكثف، على غرار ما يسجل مع مكيفات الهواء خلال موسم الحر؛ إذ تشهد هاتان المرحلتان ذروة في الاستهلاك الطاقوي، مضيفا أن هذا الوضع أصبح يتكرر مع كل موجة برد؛ حيث تجد العديد من العائلات نفسها أمام فواتير طاقة مرتفعة تفوق غالبا قدرتها على التحمل في ظل غلاء المعيشة، وتعدد المصاريف اليومية؛ ما يجعل ميزانية الأسرة في حالة ضغط مستمر.
ويلاحظ يويو أن زيادة استهلاك الطاقة لا تعود، فقط، إلى برودة الطقس، بل ترتبط، أيضا، بعادات استهلاكية غير مدروسة؛ مثل تشغيل المدافئ لساعات طويلة دون انقطاع، أو تشغيلها خلال أيام يكون فيها الجو معتدلا أو حتى دافئا، أو استعمال سخانات المياه بشكل مفرط، إضافة إلى ترك الأضواء والأجهزة الكهربائية مشغَّلة حتى دون الحاجة إليها، أو ليلا عند النوم. ومع مرور الوقت تتحول هذه السلوكيات إلى تصرفات عادية دون إدراك تأثيرها المباشر على الفاتورة الشهرية، وعلى الاستهلاك الطاقويبصفة عامة، وحتى أثرها على البيئة.
وقال يويو: “ أمام هذا الواقع تبرز أهمية الوعي بالاقتصاد في استهلاك الطاقة ليس فقط لتقليص النفقات، بل، أيضا، للحفاظ على الموارد الوطنية؛ فالترشيد في الاستهلاك لا يعني الاستغناء عن التدفئة أو الراحة داخل المنزل، وإنما استعمالها بشكل عقلاني، ومتوازن، يضمن الدفء دون إسراف، ويجنب الأسرة المفاجآت غير السارة عند استلام الفاتورة نهاية كل ثلاثي”.
ويضيف المتحدث أن الاقتصاد في استهلاك الطاقة لا يعني التقشف أبدا، بل هو سلوك حضاري، يحمي ميزانية الأسرة، ويساهم في الحفاظ على الموارد الطاقوية للبلاد، مشددا على أهمية التوعية، والتحسيس سواء من خلال الأسرة نفسها، أو عبر حملات تقوم بها الجمعيات المختصة؛ لترسيخ ثقافة الاستهلاك العقلاني، خاصة في فصل الشتاء، الذي يشهد ذروة الطلب على الغاز والكهرباء، مضيفا أنها ثقافة لا بد أن تدرَّس في المؤسسات التربوية، وتعلَّم كسلوكيات حضرية للأطفال؛ للنمو على مبادئ الحفاظ على الموارد، وعدم تبذيرها، خصوصا أنها طاقات غير متجددة، وسوف يصل العالم الى مرحلة تنتهي فيها تلك الموارد الطاقوية.
التعليقات مغلقة.