حساسية تجاه الصوت وشعور مستمر بالقلق

3

التلوث السمعي في المدن وراء “الميزوفوبيا

يعيش العاصميون، على غرار سكان المدن الكبرى، تحت ضغط يومي مستمر، بسبب الحركة السريعة لوقع الحياة اليومية، التي يشوبها التلوث بكل أنواعه؛ بيئي بفعل وقود المركبات الكثيرة التي تدخلها، وبصري وسمعي، هذا الأخير نتيجة للعديد من العوامل، على غرار انبعاث الأصوات القوية التي قد تكون جد مزعجة، خاصة بالنسبة لكبار السن، الذين يحتاجون للهدوء والراحة، وقد حذر المختصون في الصحة من التلوث السمعي، فهل يمكن تفادي التعرض لأسبابه في ظل العيش في مدينة كبيرة، أسئلة حملتها “الراية الجزائرية “، للمختصة النفسانية وسام حبيديش، التي عرضت ما قد يواجه سكان المدن الكبرى بسبب صخب الازدحام والآلات وإنذار السيارات وورشات البناء، وغيرها من الأصوات التي قد تثير أحيانا جنون المتعرضين لها باستمرار.

فريدة حدادي

يتعرض سكان العاصمة ومختلف المدن الكبرى يوميا، إلى نوبات قلق، يتسبب فيها أحيانا الأصوات القوية والمزعجة، لما يحيط بهم من أشغال بناء، حركة سير، اكتظاظ السكان، وغيرها من العوامل التي تزيد من حدة الضجيج في تلك المدن، لاسيما وسط الأحياء الشعبية، وأكثرها التي تعرف حركة كبيرة للسكان، خصوصا وسط التجمعات الإدارية أو المؤسسات أو المصانع والمحلات التجارية والأسواق وغيرها، كلها أصوات تدفع بالبعض إلى الرغبة في الانتقال إلى مكان بعيد، قد يكون أحيانا منعزلا جدا، بحثا عن الهدوء والراحة التي تنعدم تماما في تلك الأماكن المزدحمة.

ويحاول في الكثير من المرات المتقاعدون، بيع ما لديهم في المدن الكبيرة التي كانت توفر لهم العمل ورفاهية العيش الحديث، للانتقال إلى مسقط رأسهم، بعيدا عن العاصمة، طمعا في عيش ما تبقى من حياتهم في أحضان الطبيعة الهادئة والهواء النقي، وأملا في الاستفادة من علاج نفسي، يريحهم من صخب المدن الكبرى، التي رغم مزاياها، إلا أنها تبقى سلاحا بحدين، ولا يمكن البقاء والاستمرار وفق وتيرتها عند بلوغ سن معينة.

حول هذا الموضوع، حدثتنا وسام حبيديش، طبيبة نفسانية قائلة: “إن التلوث السمعي هو الوجه الآخر للتطور والحضارة، فكل دولة كبيرة، ومهما بلغت تقدما، عانت بالتوازي من هذا المشكل، بل هناك أحيانا علاقة طردية بين هذا وذاك، فإيجاد الهدوء والسكينة وسط مدينة كبيرة، من شبيه المستحيلات، خاصة إذا اكتظت المدينة بسكان يساهمون في إصدار هذا الضجيج”.

مردفة: “ولضبط هذا الحال، تصدر الكثير من الدول بعض القوانين المدنية، التي من شأنها تخفيف الإزعاج على السكان، من خلال منع الأشغال بعد ساعات معينة، فرض الهدوء ليلا، منع استعمال منبهات السيارات في بعض المناطق، وأيضا في ساعات محددة، وغيرها من القوانين التي تحترمها الشعوب، بهدف النجاح في التعايش وسط مجتمع بذهنيات وتقاليد مختلفة”.

وقالت المختصة النفسانية، “إن العاصمة تعاني مثلها مثل باقي المدن الكبرى، مما يسمى بالتلوث السمعي، لا ندركه أحيانا إلا ليلا، عند شعورنا بتلك السكينة التي “تطرش” السمع، وتجعلنا نقارن ما نعيشه صباحا وخلال النهار الكامل من أصوات مزعجة، تجعل الفرد يفقد أعصابه وآخر يجن جنونه، فلا يمكن العمل ولا نوم الكبير ولا راحة المريض، ولا غيرها من الأمور التي تستدعي الهدوء لأدائها.

ردود فعل عنيفة بفعل التوتر

أضافت وسام، أن بعض الأصوات قد تجعل الفرد يفقد السيطرة على نوبات القلق، ودون وعي تصدر منه ردود فعل عنيفة، ناتجة عن ذلك التوتر، بسبب الأصوات الصاخبة، فتلك النوبات التي تستمر لفترة طويلة، قد تعرض شخصا له قابلية الاحتمال على بلوغ أمراض القلب والأعصاب، فالتوتر المستمر والقلق يضعفان القلب، ويسببان ارتفاع نبضات القلب وتسارعها، وهذا ما يجعله يعاني نوبة خطيرة إذ لم يهدئ من أعصابه ويتحكم فيها.

كما أكدت أن هناك حالة نفسية مرضية يعاني منها البعض حول العالم، تعرف بـ”الميزوفوبيا“، وهي حالة يعرف المصابون بها بعدم قدرتهم على تحمل الأصوات، مهما كانت حدتها، حتى الأقل منها، وتتفاوت بين المصابين، مشيرة إلى أن هذه الحالة النفسية تسبب لمن يعانون منها القلق والتوتر وعدم تمكنهم من أداء مهامهم اليومية، لتجدهم أحيانا يبحثون عن العزلة والهروب إلى أماكن هادئة، مشددة على أن هذه الحالة المرضية يمكن أن يدخلها الجميع، فالكل معرض للإصابة بها، وفق قدرة تحمله للصوت، وكذا تعرضه المستمر لتلك الأصوات المزعجة.

وأضافت المختصة، أن ضوضاء العاصمة قد يخلق لدى الإنسان هذه الحساسية تجاه الصوت، مهما كان سنه، لكن تبدأ بعد مرحلة الأربعينيات من العمر، المرحلة التي تجد الشخص يبحث أكثر عن الهدوء والراحة ويحاول الابتعاد عن الانزعاج والقلق.

العلاج بأمواج البحر .. لا تحرم نفسك الهدوء

أكدت المتحدثة، أن بعض الحالات نفسية للحساسية تجاه الصوت، قد لا يستدعي أن تكون عالية، فبعض الأشخاص يعانون من أصوات بسيطة، كالخدش على الصبورة مثلا، أو تقطيع القماش، أو ملامسة سطح يصدر رنينا، أو مضغ الطعام أو اللبان، أو إصدار الصوت، وغيرها، وهذه الحالة تصيب الفرد منذ طفولته، وهم أكثر الأشخاص معرضين لنوبات القلق، بسبب الأصوات العالية مع مرور الزمن.

ولتخفيف هذه الأعراض تقول المختصة: “لا حل آخر غير الابتعاد عن مصدر الإزعاج، أي الصوت، والبحث عن الهدوء والسكينة ولو من فترة لأخرى”. موضحة أن العلاج بصوت البحر هو ما يلجأ إليه غالبا الفرد دون وعي، إذ للأمواج قوة فعالة وإيجابية في تهدئة الأعصاب ومساعدتها على الارتخاء.

التعليقات مغلقة.

Headlines
الاخبار::