لا تبدو التعليقات المتشائمة بشأن مستقبل البشرية جديدة على الفائزين بجوائز نوبل، ولا تقتصر على مجال بعينه وإنما اعتبرت سمة مشتركة لفائزين بالجائزة العالمية في مجالات الأدب والاقتصاد والفيزياء على حد سواء.
ومؤخرا أبدى العالم السويسري ميشال مايور الفائز بجائزة نوبل لهذا العام في الفيزياء تشاؤمه بخصوص قدرة البشر على العيش بكوكب آخر رغم المخاوف بشأن صلاحية العيش على الأرض، وقال “لقد حان وقت التوقف عن الأحلام ومواجهة الواقع لضمان وجود مستقبل”.
ونشر جوزيف ستيجلز الحائز على جائزة نوبل بالعلوم الاقتصادية مقالا حديثا أبدى فيه تشاؤمه بمستقبل “النيوليبرالية” وآثارها السلبية على الأفراد والمجتمعات، من جانب آخر صدرت ترجمة حديثة لمقال قديم للفائز بنوبل للآداب إسحق باشيفيس سينجر أبدى فيها تشاؤمه الشديد من مستقبل الرواية والخيال الأدبي.
من يحتاج للأدب والخيال؟
من وقت لآخر يسأل باشيفيس نفسه “من يحتاج إلى أدب خيالي؟” ويقصد ما قيمة الخيال في وقت تمتلئ الحياة والطبيعة بالأحداث الغريبة، إذ لا يوجد اتساق ودقة شبيهان بالتاريخ الواقعي مهما كان الكاتب متمرسا بالخيال.
ويعتبر باشيفيس الحائز على نوبل للآداب عام 1987 أنه لا يمكن أن توجد رواية كاملة أو خالية من التناقض أبدا. حتى آنا كارنينا ومدام بوفاري لديهما عيوبهما وتناقضاتهما، ويرى الأديب أن تقرير صحيفة قد يهمه أكثر من العمل الأدبي، ويسأل “لماذا نحتاج التفسيرات النفسية عند توضيح العواطف، أو لماذا نهتم بإثبات كذبة عندما لا تحتاج الحقيقة لذلك”.
ويخشى الأديب البولندي الأميركي أن البشرية بأسرها قد تقتنع عاجلا أم آجلا باستنتاجه بأن “قراءة الرواية مضيعة للوقت”. ومع ذلك فقيمة الخيال الأدبي -بحسب باشيفيس- ليست فقط قدرته على الترفيه للقراء وتعليمهم شيئا ما، ولكن أيضا كرياضة أو تحدٍ فكري، وحتى لو تمكنا من ابتكار آلة من شأنها أن تبلغنا بدقة بجميع تجارب راسكولنيكوف (بطل رواية الجريمة والعقاب) أو مدام بوفاري أو آنا كارنينا، فسيظل من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان يمكننا القيام بذلك بالورقة والقلم.
الأمر إذا يشبه سعينا الدؤوب لتسلق قمة جبل إيفرست رغم إمكانية الهبوط عليها -ببساطة- بمروحية. ورغم أن القراء يعرفون الكثير عن النفس البشرية عبر علم النفس لكنهم لا يزالون يقرؤون الروايات كذلك، ومع ذلك تتضاءل جميع أوهام ما يسمى “الخيال العلمي” بالمقارنة مع لقطات تم تصويرها على القمر أو الكواكب الأخرى.
ويقارن باشيفيس -الذي ولد عام 1904 بالقرب من وارسو عاصمة بولندا- بين ما يحدث مع الرواية بما حدث مع الشعر الذي يقرأه الآن الشعراء فقط ويوزعونه على أصدقائهم، في حين لم تصل الدراما لحالة الشعر المحزنة بعد لكنها تسير بنفس الاتجاه.
ونشر النص الأصلي لمقال الفائز بنوبل في 20 أكتوبر/تشرين أول 1963 باللغة اليديشية، وجرت ترجمته للإنجليزية بعد أكثر من نصف قرن من كتابته لينشر مؤخرا في موقع عرض لاري للكتب.
النثر والـــدراما
وبالنسبة للنثر الأدبي -يتابع باشيفيس- فغالبا ما نشعر أن أحواله جيدة، إذ لا يزال يتم شراء كتب النثر بمئات الآلاف من النسخ. لكن عندما ننظر للأمر بشكل أكثر عمقا، سنلاحظ أن ما نسميه بالوقت الحاضر “الخيال الأدبي” لا يحمل سوى اسمه، وغالبا ما تُباع الأعمال تحت العلامة التجارية “الرواية” لكن في الواقع ثلاثة أرباعها أو كلها صحافة.
التعليقات مغلقة.