الأطفال المصابين بفقدان المناعة المكتسبة.. منعرج غير الكثير من حياتهم
إنهم أطفال كباقي الأطفال يضحكون أحيانا و يبكون أحيانا أخرى يلعبون يقفزون و يتشاقون، لا شيء في الظاهر ينبأ أنهم مختلفين عن باقي أقرانهم، لا شيء سوى سر ثقيل يحمله أغلبهم منذ الولادة.. إنهم أطفال مصابين بداء فقدان المناعة المكتسبة السيدا.
أفادت رئيس مصلحة الأمراض المعدية بالمركز الاستشفائي الجامعي لوهران البروفيسور نجاة موفق أنه لا تبدو أعراض المرض على أغلب الأطفال المتواجدين نفس المصلحة حيث أن سبل العلاج الحالية تسمح للمصابين بالداء بمزاولة حياتهم بصفة طبيعية.
و تأخذ هذه المصلحة، التي تعتبر مركزا مرجعيا على المستوى الجهوي مرضى من 14 ولاية من غرب الوطن من بينهم ما لا يقل عن 250 طفل دون الثامنة عشر كما أكدته نفس المسؤولة.
انتقال المرض ا من الأم إلى جنينها يمثل أكثر من نسبة 90
و تعد الجزائر واحدة من البلدان على المستوى العربي و الإفريقي التي تتكفل بمرضى السيدا بصفة مجانية تتضمن الفحوص و الأدوية حيث انضمت إلى البرنامج المسطر من طرف المنظمة العالمية للصحة و الذي يهدف إلى القضاء على هذا الوباء في افاق 2030.
و تقول نفس الأخصائية أن أول طفل تكفلت به المصلحة في أواخر التسعينيات يبلغ اليوم أكثر من عشرون عاما مضيفة أن أطفالا من مختلف الأعمار و الأوساط و الطبقات الاجتماعية يتابعون علاجهم على مستوى المصلحة.
تأكد البروفيسور موفق أن انتقال مرض السيدا من الأم إلى جنينها أو ما يعرف “بالانتقال العمودي للعدوى ” يمثل أكثر من نسبة 90 في المائة من مجموع حالات الأطفال المصابين بالمرض حيث يضمن التشخيص المبكر للمرض عند الأطفال تكفل أكثر فعالية و حياة تكون طبيعية خاصة مع تطور أساليب العلاج و تخفيفها.
المرضى الأطفال كما الكبار يقومون بإجراء فحوصات شهرية
و يقوم المرضى الأطفال كما الكبار بإجراء فحوصات شهرية كما يقتنون بصف مجانية ما يلزمهم من أدوية من صيدلية المصلحة مرة كل ثلاثة أشهر. و قد سمح تطور الأبحاث في السنوات الأخيرة إلى تخفيف جرعات الأدوية إذ يتعاطى بعض المرضى قرص أو قرصين من الأدوية في اليوم.
في إحدى قاعات العلاج تستقبل الدكتور بن زوبارة و هي طبيبة مختصة في الأمراض المعدية تتكفل بالصغار المصابين بالسيدا على مستوى المصلحة أطفالا من مناطق عدة يأتون أحيانا من البعيد لفحوص لا يمكن القيام بها في مكان آخر. و قد رضي أحد الآباء الذي جاء بابنته ذات الأربع أعوام الإجابة على أسئلة صحافية.
بدأت المأساة في أسرة يوسف و هو أب في العقد الثالث من العمر منذ ثلاث سنوات حين بدأت أعراض المرض تظهر على ابنه البكر ذو السبع سنوات نضال حيث نزل عليه نبأ إصابة ابنه بداء السيدا كالصاعقة توجب بعده إجراء تحاليل لجميع أفراد العائلة. حالة هذه العائلة تعتبر من الحالات النادرة حسب الدكتورة بن زوبارة حيث الأم و أبناءها الاثنين يحملون الفيروس فيما يخلو منه الأب تماما فيما يؤكد الزوجان أنهما يعيشان حياة جنسية طبيعية.
و تقول هذه الأخصائية أن العلم لم يجب بعد على العديد من الأسئلة فيما يتعلق بمرض السيدا مشيرة بخصوص هذه الحالة إلى أن أحد الأبحاث الحديثة يؤكد أن بعض الأشخاص يتمتعون بجينات مقاومة للفيروس.
منعرج غير الكثير من الأشياء في حياة المرضى
و يتذكر يوسف الذي يقطن إحدى المدن المحاذية لوهران اليوم الذي عرف بمرض ابنه بأدنى تفاصيله. ذلك اليوم يشكل منعرجا غير الكثير من الأشياء في حياته. نبأ إصابة ابنه نزلت عليه كالصاعقة و أكثر ما كان يخشاه أن يكون هومن نقل العدوى إليه. و يشهد الفريق الطبي العامل بالمصلحة بشهامة يوسف الذي يساند زوجته و طفليه بكل ما أوتي من قوة.
و رغم بعد مكان سكناه إلا انه لا يتأخر عن مواعيد الفحص. و قد جاء بابنته لينا خارج مواعيد الفحص الاعتيادي الشهري لأنه اكتشف انتفاخا على مستوى رقبتها إذ لا يمكن معاينة الطفلة في عيادة طبية عادية.
و رغم الإحراج فقد توجب طرح سؤال صعب حول اثر المرض على العلاقة بين الزوجين خاصة و أن الزوجة هي التي نقلت المرض و كان رد يوسف مثيرا للإعجاب إذ أنه لم يشك لحظة في شرف زوجته التي يمكن أن تكون قد التقطت العدوى عن طريق الدم.
ويقول يوسف انه تقبل مصيره مع مرور الأيام خاصة و أنه أدرك أن مرض السيدا أصبح شانه شان الأمراض المزمنة الأخرى يمكن للمصاب به أن يتمتع بحياة طبيعية شرط أن يتبع علاجه بصفة جدية مضيفا أن المرض لم يهزم حبه لعائلته و لم يسرق لحظات الفرحة برفقتهم.
الخوف من نظرة المجتمع
و يبتسم يوسف حين يتحدث عن أول رسومات نضال الملئ بالألوان أو عن أول مرة قالت فيها صغيرته لينا كلمة “بابا”. هي لحظات من البهجة ينسى فيها يوسف أن أولاده مختلفين.
تتغير تعابير وجه محمد و تنطفئ ابتسامته حين تطرح مسألة نظرة المجتمع إلى مرضى السيدا حيث يقول أن الخوف من حكمه أصعب أحيانا من المرض نفسه. حكم المجتمع على هذه الشريحة قاس لا رحمه فيه. و يروي يوسف انه تجرع مراراته حيث عاش إقصاء ابنته لينا من طرف أبناء عمومتها فقط لأنهم علموا أنها أصيبت بالسل (إحدى الأمراض الطفيلية) و يتنبأ أن لا أحد سيقبل التعامل مع عائلته إذا ما شاع خبر إصابتهم.
و رغم أن يوسف يعيش في كنف والديه مع اثنين من أخويه المتزوجين إلا أن مرض زوجته و طفليه سر لا يعلم به أحد من العائلة الكبيرة. هو و زوجته هما الوحيدان العارفان بالوضعية.
المرضى لديهم الحق في احترام حياتهم الشخصية
و يقول يوسف أنه بهذا يحمي زوجته، التي لن ترحمها ألسنة الناس التي ستلوكها طولا و عرضا و طفليه اللذان لا ذنب لهما إذ أصيبا عند الولادة.
و تجلب البروفيسور نجاة موفق الانتباه إلى صناديق امتلأت بعلب الأدوية الفارغة إذ يفضل أغلب المصابين التخلص منها خوفا من أن يتعرف قريب أو صديق على دواعي استعمالها، مضيفة أن أكثر ما يخشاه المرضى هو اكتشاف معرفة الناس بنوع أصابهم.
و تذكر نفس الأخصائية أن هؤلاء المرضى لديهم الحق في احترام حياتهم الشخصية.
و تقول أنه يتوجب حماية الأطفال بصفة خاصة إذ أنهم الأكثر هشاشة. و تقوم البروفيسور موفق باستبدال دفاتر الصحة للأطفال الذين أشير فيها إلى مرضهم أو مرض والدتهم بدفاتر جديدة خالية من هذا النوع من التفاصيل خاصة و أن المدارس تطالب بنسخة من الدفتر.
و تعترف سمية و هي سيدة نقل إليها زوجها االفيروس دون علمه أن خيار إشراك حتى أقرب الناس صعب يتوجب التفكير قبل أخذه مليا. و تسرد قصتها التي بدأت منذ قرابة العشر سنوات حيث أنجبت طفلة تم تشخيص إصابتها بالسيدا خلال السنة الثانية من عمرها، لتكتشف أنها تحمل هي الأخرى المرض.
تأنيب الضمير الذي أودى بحياة الوالد لا يفارق سمية
“سمية ” التي تزوجت صغيرة حيث لم تتجاوز الثامنة عشر لم تستطع تجاوز الصدمة لوحدها، إلا أن إشراك عائلتها في سرها زاد الطينة بلة حيث دخل والدها الذي اختار لها شريك حياتها في أزمة نفسية تدهورت بعدها صحته و فارق الحياة بعد امتناعه عن الأكل و الشرب.
تأنيب الضمير الذي أودى بحياة الوالد لا يفارق سمية هي الأخرى التي تحس نفسها سببا في وفاة والدها خاص و أن ابنتها التي لم تقاوم المرض توفيت هي الأخرى.
و تقول سمية أن الأحوال تحسنت منذ ذلك الحين حيث احتفلت مؤخرا بعيد زواجها العاشر مضيفة أنها رزقت بعد وفاة ابنتها بأربعة أطفال كلهم غير مصابين بالفيروس حيث تضمن الأساليب الطبية الحديثة بعدم نقل العدوى بين الأم و جنينها.
و تأكد أنها متفائلة رغم اجتيازها كل هذه الأزمات حيث أنها تعيش حياة متزنة رفقة زوجها الذي تكن له كل الحب و التقدير و أطفالها الذي أكرمها الله بهم في كامل الصحة و العافية.
أي مستقبل للأطفال المصابين بـ “السيدا “
بينما تحمل سمية أملا كبيرا في مستقبل أطفالها السليمين.. ينهش القلق عقل يوسف الذي يتساءل عن مآل ولديه. هل سينجحان في دراستهما؟ هل سيتزوجان و يكونان عائلة أم أنهما محكومان بالوحدة؟ ماذا لو تسرب خبر مرضهما إلى العائلة أو المدرسة؟
لا يحمل الفريق الطبي لمصلحة الأمراض المعدية الذي غالبا ما يلعب أدوارا لا تناط بهم كالنصح و الإصلاح بين الأزواج و حتى المرافقة النفسية والاجتماعية، إلا أن آراءهم لا تخلو من التفاؤل. و تأكد البروفيسور أن سبل العلاج تضمن حياة عادية إضافة إلى أن التحكم في الفيروس يجعل الشخص غير ناقل للفيروس.
و تضيف أن الأطفال الذين تتكفل بهم المصلحة يزاولون دراستهم و أن أغلبهم متألقين يمكن التنبؤ بمستقبل جيد لهم. و بخصوص حياتهم الخاصة تقول أنه لا يأس مع الحياة، مشيرة إلى أنه تم تزويج 35 زوجا حاملين لفيروس عبر المصلحة.